نبذة النيل والفرات: هذا وإن للتراث الشعبي العربي عناصر مشتركة، لها أسس حضارية، وأول هذه الأسس، هو التشابه البيئي للأقطار العربية التي كانت قاعدة بناء حضاري ضخم، وكذلك التزاوج بين سكان المناطق الصحراوية وبين سكان الأودية الزراعية، الذي كان له أثر بعيد في حياة المنطقة العربية نتيجة تفاعل مستمر في المجتمع العربي وما له من طابع حضاري متميز. وعند الحديث عن الملامح التراثية المشتركة في تقاليد دورة الحياة العربية أو غيرها من مظاهر التراث الشعبي، ويرجع ذلك إلى التعاقب الحضاري الذي سارت فيه المنطقة العربية منذ عصر ما قبل الإسلام إلى أن تكاملت الحضارة العربية الإسلامية في مسيرتها، وما أوجدته هذه المسيرة من نمط معيشي متقارب، ومن وضع اجتماعي وفكري متماثل، ومن تجارب مشتركة في ميادين الحياة كلها، نتيجة للاتصال المستمر بين أجزاء المنطقة كلها، ونتيجة للصياغة الدينية واللغوية التي ميزت المنطقة عما حولها من مناطق. إن هذا التعاقب الحضاري يعني تداخلاً بين جميع مراحله التاريخية؛ ويعني بالتالي الاحتفاظ بملامح قديمة تصاغ صياغة جديدة. إن العصر الحضاري الذي يشهد هذا التطور الحضاري السريع، يحدث تغييراً عميقاً في الحياة الاجتماعية في مختلف مضامينها وأساليبها، مما قد يؤدي إلى زوال عادات وتقاليد، وقد يؤدي أيضاً إلى ظهور تقاليد وطقوس تحل محلها، كما حدث في العديد من المجتمعات، إن هذه العادات تؤدي بوجودها وظيفة اجتماعية، تسقط وتتغير بتغير الحياة الاجتماعية ذاتها، وهذا ما سيجده القارئ عند كلام المؤلف في هذا الكتاب عن الملامح التراثية المشتركة. وذلك في سياق حديثه المفصل عن عادات وتقاليد الحياة الشعبية العراقية.
التراث الشعبي علم من العلوم الإنسانية، له وظيفته الاجتماعية في حياة الإنسان، ولا تفهم هذه الوظيفة إلا على ضوء دراسة التقاليد الاجتماعية لها، فإذا تغيرت الحياة الاجتماعية، غابت بعض هذه التقاليد والعادات واختفت، ولكن هذا لا يمنع من ظهور تقاليد جديدة تؤدي وظيفة جديدة.
وتجدر الإشارة إلى أن في حياة الشعب العراقي وفي تقاليده ومأثوراته الكثير من التفاصيل الغزيرة التي لا يجمعها كتاب مفرد. إلا أن هذا الكتاب الجامع يمثل محاولة لتقديم إلمامة بتفاصيل دورة الحياة في العراق بالاعتماد على جهد الكتاب الذين رادوا في هذا المجال وأعطوا في حقل دراسات التراث الشعبي العراقي. وقد تم اعتماد مجلدات "التراث الشعبي" في اختيار هذه البحوث التي جاءت مغطية، للمساحة الجغرافية والاجتماعية مع إفراد بحثين عامين؛ أولاهما في دورة الحياة في الوطن العربي، وثانيها في التراث الشعبي المقارن سدّاً للضرورة الخاصة في محاور من هذا النوع. هذا وإن الهدف الأساس من جمع وتوثيق صيغ التقاليد والعادات الشعبية بصورة عامة، والعراقية بصورة خاصة، ليس الحفاظ عليها؛ بل لاستخدامها كمادة اجتماعية من أجل الدرس والتحليل في مختلف الدراسات واطلاع القارئ على صور الماضي القريب التي تكفلت عجلة التطور الاجتماعي بتغييره.
نبذه عن النيل والفرات
- مساهمة رقم 1